بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
رئيس قسم الأدب ✍🏻
البيئة ليست مجرد مكان ، إنها قانون .. قانون يفرض عليك قواعد البقاء ، أو الفناء ، تخيل نفسك شمعة متوهجة في مستنقع آسن ، مياه راكدة وطين يلف كل شيء في ظلام دامس. هل ستضيء بكل قوتك ؟ ستكون الهدف الأول، ستجذب كل ما زحف ، وكل ما طار من كائنات الليل التي تكره النور لأنها تعيش على الظلام. هذا هو جوهر الصراع حين تجد نفسك محاصَرًا بالفقر ليس المادي وحده ، بل فقر الطموح ، فقر الأخلاق ، فكر التواكل والغيبة والنميمة. في هذا المستنقع ، الذكاء جريمة ، والطموح خيانة ، والنجاح إعلان حرب مفتوحة.
لا تخطئ الظن ، فالحسد ليس عيبًا في البعض ، إنه جرثومة كامنة في النفس البشرية ، تتفجر بقوة خاصة عندما ترى نفسها عاجزة عن اللحاق ، أو عندما يشعر الآخرون أن تميّزك يذكّرهم بفشلهم . قد يكون أقرب الناس إليك صديقًا ، شقيقًا ، ابن عم !! هو أول من يمد يده ليسحبك للأسفل ، ليس بدافع الشر المطلق غالبًا ، بل بدافع ذلك الألم الغريزي الذي يسببه نجاحك أمام عينيه.
في المستنقع ، رفع الرأس فوق مستوى الطين خطيئة، وستجد الأيدي الخفية تعمل ليل نهار لتقطع رقبتك قبل أن تصل إلى الهواء النقي. ستُراقَب بكل حركة ، تُحلَّل نواياك ، تُحاك ضدك المؤامرات الصغيرة والكبيرة وكأنك تملك عرشًا ، بينما كل ما فعلته هو أنك أردت أن تتعلم مهارة جديدة ، أو أن تحسن وضعك البسيط.
هنا يأتي فن "التخفي الاستراتيجي". لا تكن الغبي الحقيقي ، بل تعلّم أن ترتدي عباءة البلادة. لا تُظهر كل ما في جعبتك من ذكاء أو معرفة أو طموح. لا تفتح أوراقك للرياح العاتية. امشِ بينهم كواحد منهم ، بل يمكنك أن تبدو أقل شأنًا مما أنت عليه حقًا. تواضع حتى يظنونك ضعيفًا، هادئًا حتى يظنونك خائفًا. هذا ليس جبنًا ، بل هو ذكاء عميق يعترف بخطورة البيئة ويحترم قوانينها القاسية. بينما أنت تتظاهر بالانسجام مع الركود، كن في الداخل كالبركان الهادئ ، أو كالذي يحفر نفقًا تحت الأرض . خطط كشيطان ليس للشر ، بل للخلاص . ركّز كل طاقاتك على بناء نفسك بعيدًا عن أعين الرقيب : قوّي جسدك بالرياضة، غذّي عقلك بالقراءة والتعلم المستمر، ادّخر قرشًا فوق قرش، واصقل مهاراتك في صمت مطبق. هذا هو الزحف الحقيقي ، الزحف من قاع المستنقع نحو شاطئ النجاة.
الهدف ليس البقاء في الظلام ، بل الهروب منه إلى حيث يُقدَّر النور ، المحيط الجاد هو الضدّ الطبيعي للمستنقع .
هنا، العقول مشغولة ببناء مشاريعها، بتحقيق أهدافها، بالتخطيط للمستقبل، لا بتقليب أوراق الماضي وتمزيق سير الآخرين. في هذا المحيط، يصبح بريقك سلاحًا جذابًا ، لا لعنة تستدعي السكين . ذكاؤك يفتح الأبواب المغلقة ، طموحك يُحترم ، واجتهادك يُكافأ . هنا تُعقد الصفقات ، تُبنى الشراكات الحقيقية ، وتُوجه إليك الدعوات إلى حيث تُصنع القرارات . لأن في العالم النظيف ، القوة والكفاءة تُحترمان ، بل تُطلبان ، ولا تُحاربان إلا في ساحات المنافسة الشريفة.
أما سكان المستنقع الأصليون ؟ فهم غالبًا ما يصبحون سجناء قصص الآخرين ، عيونهم معلقة بمن سافر بحثًا عن فرصة ، بمن فشل فشلوا معه سرًّا ، بمن نجح فحسدوه جهارًا .
أمام هؤلاء ، لا تبنِ قصر أحلامك . لا تُظهر ثراءك المفاجئ ، ولا نجاحك المتألق. حتى لو فعلت ذلك بنية حسنة ، سيرونه تحدّيًا لوجودهم ، إدانة لخياراتهم ، وسيعملون بكل ما أوتوا من قوة ، ولو كانت صغيرة ، ليهدموا لك هذا القصر ، ليس ليربحوا شيئًا ، بل فقط ليثبتوا لك ولأنفسهم أنك لم تخرج أبدًا من المستنقع ، وأنك واحد منهم إلى الأبد.
الخلاصة المؤلمة والحتمية ؟ لا تُضيء في الظلام إلا إذا كنت مستعدًا لخوض معركة وجودية ، معركة تستنزف طاقتك وتأكل روحك قبل أن تصل إلى أي نتيجة . النور الحقيقي يحتاج إلى فضاء يستوعبه ، لا إلى مستنقع يخنقه.
فإذا أردت أن ترتقي ، أن تحلق ، فأن تحقق ما خُلقت من أجله ، فابحث عن أرضك الحقيقية ، عن محيطك الواسع ، عن ذلك المكان الذي تُروى فيه الأحلام ولا تُغتال ، حيث تُحتفى بالشموع ولا تُطفأ .
لأن الحياة قصيرة جدًّا لتضيئها في مكان لا يريد سوى الظلام .
سنلتقى إن كان فى العمر بقيه