بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
رئيس قسم الأدب ✍🏻
تتوالى الأحداث على الساحة العالمية بوتيرة مذهلة ومقلقة أحيانًا : حروب طاحنة ، كوارث طبيعية متعاقبة ، أزمات اقتصادية طاحنة ، انحلال في القيم والأخلاق ، وصراعات تهدد الاستقرار العالمي . في خضم هذه العواصف ، يتساءل الكثير من المسلمين :
هل كل هذه الأحداث المتسارعة والمؤلمة ليست سوى مقدمة حتمية ، تهيئة ضرورية لظهور الخلاص النهائي المتمثل في عودة عيسى عليه السلام وظهور المهدي ، ومن ثمَّ قيام الساعة ؟
الإجابة على هذا السؤال تتطلب وقفة متأنية أمام نصوص الوحي – القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة – لفهم طبيعة علامات الساعة وموقعنا الزمني منها، دون تهويل أو تهوين.
💧أولاً : تحقق علامات الساعة الصغرى : الإرهاصات المستمرة
من المتفق عليه شرعًا أننا نعيش في زمن تحققت فيه كثير من علامات الساعة الصغرى التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم ، والتي تعتبر بمثابة إرهاصات ومقدمات للحدث الأكبر. من هذه العلامات التي نراها بوضوح :
١- انتشار الفتن : قال صلى الله عليه وسلم :
لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن ، ويكثر الكذب ، وتتقارب الأسواق " (رواه أحمد).
الفتن بكل أنواعها – فتن الشبهات والشهوات ، فتن المال والسلطة ، الفتن الطائفية والمذهبية – هي سمة بارزة لعصرنا.
٢- ضياع الأمانة وانتشار الخيانة :
قال صلى الله عليه وسلم : إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة .
قيل : وكيف إضاعتها ؟ قال : " إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " (رواه البخاري).
وهذا المشهد يتكرر في تعيين غير الكفء وتقديم المصالح الشخصية على مصالح الأمة.
٣- انتشار الربا والزنا : قال صلى الله عليه وسلم : ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن حلال أم من حرام (رواه البخاري).
كما أن وصف "الحفاة العراة رعاء الشاء" بأنهم " يتطاولون في البنيان " (رواه مسلم) يشير إلى تغير حال البدو وتحولهم إلى مجتمعات غنية متكاثرة قد يغفل فيها الحلال والحرام.
٤- كثرة القتل : قال صلى الله عليه وسلم :
لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج . قالوا : وما الهرج ؟ قال : القتل القتل (رواه البخاري ومسلم). مشاهد الحروب والاغتيالات والإرهاب التي تملأ شاشاتنا هي تجسيد صارخ لهذه العلامة.
٥- انحسار بركة الزمان والعلم : قصر الأعمار وتقارب الزمان من خلال سرعة المواصلات والاتصالات ، وظهور أناس يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم (رواه البخاري) أي لا يفقهون معانيه ولا يعملون به ، وانتشار الجهل بالدين مع كثرة المتكلمين فيه.
٦- ظهور النساء الكاسيات العاريات : وهو ما نراه في موضات اللباس التي تظهر مفاتن الجسد.
٧- تطاول الرعاء في البنيان : كما سبق ذكره ، وهو ما نشهده في تنافس دول الخليج وغيرها في بناء ناطحات السحاب الفارهة.
💧ثانياً : هل الأحداث الحالية هي العلامات الكبرى؟ ... التمييز ضروري
هنا يأتي دور التمييز الحاسم: **معظم، إن لم يكن كل، ما نراه اليوم هو من علامات الساعة الصغرى التي تسبق العلامات الكبرى بزمن قد يطول أو يقصر، وهو مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وقعوده . أما العلامات الكبرى العشر
(المذكورة في حديث حذيفة بن أسيد عند مسلم : الدجال ، نزول عيسى عليه السلام ، خروج يأجوج ومأجوج ، طلوع الشمس من مغربها ، خروج الدابة ، الدخان ، ثلاث خسوف ، نار تخرج من اليمن )
فهي أحداث عظيمة مفاجئة ، خارقة للعادة ، متتابعة كحبات العقد إذا انفرطت تتابعت ، لم يقع منها شيء بعد باتفاق جمهور العلماء.
🩸لم يخرج المسيح الدجال بعد ، ذلك الرجل الأعور عظيم الفتنة.
🩸لم ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام من السماء ليقتل الدجال ويحكم بشريعة الإسلام.
🩸لم يخرج يأجوج ومأجوج ذلك الخلق الكبير المفسدون في الأرض.
🩸لم تطلع الشمس من مغربها بعد ، وهي العلامة التي إذا ظهرت لا تقبل التوبة.
💧 إذن ، الأحداث المؤلمة والخطيرة التي نعيشها ، رغم هولها ، ليست هي العلامات الكبرى ذاتها ، ولكنها من المقدمات والتهيئات التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم للزمن الذي ستظهر فيه تلك العلامات .
إنها إرهاصات تدل على اقتراب ذلك الزمن العظيم ، لكنها لا تعني أن الخلاص
( نزول عيسى وظهور المهدي ) سيحدث غدًا أو بعد سنة بالضرورة . الله أعلم بوقته .
💧ثالثاً : التهيئة للخلاص : اختبار واستعداد ، لا حتمية فورية
رؤية الأحداث الحالية كـ "تهيئة للخلاص" يجب أن تُفهم في إطارين :
١- إطار السنن الإلهية والابتلاء : ما يحدث هو جزء من سنة الله تعالى في خلقه : {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].
الفتن والشدائد تمحص المؤمنين ، وتكشف الصادق من المنافق ، وتعود الأمة إلى دينها. هذا الابتلاء هو تهيئة روحية وأخلاقية للمؤمنين ليكونوا أهلاً لنصرة دين الله عندما يحين وقت الخلاص الحقيقي بظهور المهدي ونزول عيسى عليه السلام.
إنها دعوة للاستقامة والثبات والصبر ، لا للانتظار السلبي.
٢- إطار تحقيق النبوءات : تحقق العلامات الصغرى التي أخبر بها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم هو دليل عملي على صدق نبوته ، وتذكير باقتراب تحقق بقية علاماته الكبرى .
وهو بحد ذاته "تهيئة" معنوية للمؤمنين ، تزيد إيمانهم ويقينهم بأن ما وعد الله ورسوله حق ، وأن الخلاص آت لا محالة .
قال تعالى : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 55].
💧رابعاً : كيف نتعامل مع هذه "التهيئة" ؟ مسؤولية المؤمن ...
لا ينبغي أن يدفعنا إدراك أننا في زمن الفتن واقتراب الساعة (بمفهوم تحقق علاماتها الصغرى) إلى اليأس أو السلبية أو انتظار الخلاص دون عمل. بل العكس هو المطلوب :
١- التمسك بالدين : التشبث بالكتاب والسنة وفهمهما فهماً صحيحاً، والحذر من الفتن والضلالات. قال صلى الله عليه وسلم : " فمن وجد من ذلك ملجأً فليعذ به " (رواه مسلم) في الحديث عن الفتن.
٢- العمل الصالح والإصلاح : السعي لإصلاح النفس والأسرة والمجتمع حسب الاستطاعة ، ونشر الخير والمعروف ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
هذا هو الاستعداد الحقيقي.
٣- الصبر والثبات : التحلي بالصبر على البلاء والفتن، والثبات على الحق. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200].
٤- الدعاء واللجوء إلى الله : الإكثار من الدعاء ، خاصة في أوقات الشدة والفتن ، بالثبات والعصمة والعفو والعافية. الدعاء هو سلاح المؤمن.
٥- التوكل على الله والاستعانة به : اليقين بأن النصر بيد الله، وأن الفرج قريب ، وأن ما وعد الله حق. {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 126].
🩸 وختاماً : بين رحمة الوعيد ووعد النصر
نعم ، كثير مما نراه من أحداث مؤلمة ومربكة هو من علامات آخر الزمان التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي بمعنى ما "تهيئة" وتمهيد للخلاص العظيم الذي سيتمثل في عودة عيسى عليه السلام وظهور المهدي ، ثم الخلاص النهائي في الآخرة . لكن هذه التهيئة ليست حتمية ميكانيكية فورية تربط كل حدث جزئي بعلامة كبرى محددة ، بل هي سياق عام من الابتلاء والفتن وتحقق النبوءات التي تدل على اقتراب ذلك اليوم العظيم.
المطلوب منا ليس التكهن بموعد الخلاص أو قراءة الأحداث قراءة قاصرة ، بل المطلوب هو الاستعداد له بالعمل الصالح والثبات على الدين. فالأيام بيننا وبين الخلاص قد تطول أو تقصر ، ولكن الموت آتٍ لا محالة ، وهو ختام أعمالنا. فليكن شغلنا الشاغل هو إصلاح حالنا والتقرب إلى الله.
وتذكروا دائماً : مهما اشتدت الظلمات ، ومهما عظمت الفتن ، ومهما طال الليل ، فإن وعد الله حق لا يتخلف . النور آتٍ ، والفرج قريب لمن اتقى وصبر .
سنلتقى إن كان فى العمر بقيه