بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
رئيس قسم الأدب ✍🏻
في زحمة الشكاوى المتكررة عن توقف الحظ ، وعرقلة الطريق ، وتكالب المصائب ، تبرز "الرقية الشرعية" كملاذٍ يلجأ إليه كثيرون بحثًا عن حلٍ لـ "الحسد" أو "السحر". لا غضاضة في ذلك بالطبع ، فالاعتقاد بهما ثابت في نصوص الشرع ، والتحصُّن والعلاج منهما مشروع.
لكن المشكلة الكبرى ليست في اللجوء للرقية ، بل في تحويلها - عن وعي أو غير وعي - إلى ستارٍ ضخم نختبئ خلفه هربًا من مواجهة الحقيقة الأقسى : أننا قد نكون نحن مهندسو خرابنا.
هنا تكمن الكارثة : عندما يصبح "العين" و"السحر" تبريرًا جاهزًا لكل إخفاق ، وعذرًا مريحًا لكل تقصير ، ومسكنًا مؤقتًا يخدّر ضميرنا ويغلق باب النقد الذاتي . لأن ببساطه محدش بيحسد حد فاضي . محدش بيحسد اللي نايم طول اليوم وبيشتكي". إنها صفعةٌ للوعي تستدعي التأمل.
💧 لماذا نختار دور الضحية ؟
الإجابة ببساطة : لأن مواجهة الذمَّة أهون من مواجهة الذات ، الاعتراف بالتقصير أو الخطأ أو الكسل يتطلب شجاعةً نفسيةً هائلةً ، ويستلزم تحمُّل المسؤولية والبدء في عملية تغيير شاقة. بينما يمنحنا إلقاء اللوم على "حسد خفي" أو "سحر مبهم" راحةً آنيةً :
١- نبرئ أنفسنا : نصبح ضحايا بريئين ، لا ذنب لنا فيما حدث.
٢- نتهرب من المسؤولية : لم نعد مطالبين ببذل جهد أكبر أو تغيير استراتيجيتنا.
٣- نكسب تعاطفًا اجتماعيًا : فـ "المحسود" أو "الممسوس" يحظى باهتمام ورثاء.
هذه الآلية الدفاعية هي ما أشير إليها بقوة : أسهل حاجة على النفس إنها تلبس دور الضحية. كل مرة بتفشل ، أول حاجة بتفكر فيها :
مين أذاني ؟ مش بتسأل نفسك : أنا غلطت فى إيه ؟
إنها صنمية النرجسية في ثوب الضعف ، رفضٌ لرؤية الخلل الداخلي .
💧 أمثلة صارخة : "العين" تغطي على العجز
لنترجم الكلام إلى واقع :
١- فشل الزواج : شاب يبحث عن زواج سنوات طويلة بلا جدوى . بدلًا من مراجعة سلوكه ، أو تطوير مهاراته الاجتماعية ، أو تحسين وضعه المادي ، أو حتى تقبُّل فكرة أن التقدير الإلهي قد يكون له حكمة ، يصرّ على أن "رباط" أو سحرًا قد حُبك له !
السؤال المحرج :
- هل بذل جهدًا حقيقيًا في التعرف بطريقة صحيحة ؟
- هل عمل على بناء شخصيته ليكون شريكًا مناسبًا ؟
- أم أن كلمة "رباط" سهّلت الهروب من هذه الأسئلة ؟
٢- البطالة المزمنة : فتاة أو شاب لا يجد عملًا. بدلًا من تطوير المهارات ، أو توسيع نطاق البحث ، أو تقبُّل وظائف مؤقتة للخبرة ، أو حتى مراجعة السيرة الذاتية ومهارات المقابلة ، يُلقى باللوم على "سحر وقف الحال" أو "عين قافلة أبواب الرزق". فالحقيقة المرة :
- هل سعيتَ سعيًا حثيثًا حقًا ؟
- أم أن "السحر" أصبح عكازًا للاستمرار في انتظار المعجزة دون فعل ؟
٣- الإخفاق الدراسي أو المهني : طالب يفشل في الامتحان ، أو موظف لا يرتقي في عمله ، بدلًا من مراجعة منهجية المذاكرة ، أو طلب المساعدة ، أو تطوير الكفاءات ، أو بذل جهد إضافي ، يُختزل السبب في "حسد" من زملائه !
- هل فكرتَ يوما أن التقصير في المذاكرة أو عدم تطوير الذات قد يكون هو العدو الحقيقي ، وليس نظرات الآخرين ؟
٤- التعاسة الدائمة : شخص يعيش في سحابة سوداء من التشاؤم والشكوى . كل مشكلة ، صغيرة كانت أم كبيرة ، تُعزى فورًا لـ "العين". هل جربت يوما أن تسأل نفسك : هل أمارس الامتنان ؟ هل أبحث عن الجمال في حياتي ؟ هل أتحمل مسؤولية تحسين مزاجي وأفكاري ؟ أم أن لعب دور "المحسود" يعطيك رخصة للاستمرار في السلبية ؟
هذه النماذج ليست افتراضية ، بل هي حاضرة بقوة في مجتمعاتنا .
فيه ناس ما بتدورش على حل … بتدور على تبرير ، عايز يعيش فاشل ومرتاح ، ما يتعالجش ، ما يتطورش ، ما يعترفش . بس ينام وهو حاسس إنه مش غلطان . فيقنع نفسه إنه 'محسود'".
إنه الاستسلام المقنَّع بثوب التدين أو الاعتقاد بالخوارق .
🩸الحسد موجود .. لكن متى نستدعيه بحق ؟
لا أنكر ولا ينكر هذا المقال وجود الحسد أو السحر كحقيقة شرعية. المشكلة في الاستسهال والاستغلال وإسقاطهما على كل هفوة وإخفاق دون تمييز ، الحسد الحقيقي غالبًا ما يصيب النعمة الظاهرة ، بعد بذل الجهد وتحقيق النجاح. أما الفشل الناتج عن الكسل أو سوء التخطيط أو الأخطاء المتكررة ، فحمله على الحسد أو السكر هو هروب من المواجهة مع الذات .
💧صحوة الضمير
إذن ، ماذا بعد ؟ فيا أيها الهارب من الحقيقه
لو الكلام وجعك ، فلابد انه لمسك . هذا الألم الذي تشعر به الآن ليس إهانة ، بل هو نفخةُ إنعاش لضميرٍ نائم ، وصيحةُ إيقاظ لروحٍ استكانت لدور الضحية
لنكسر هذه المرآة المشوّهة التي صنعناها لأنفسنا. التغيير يبدأ عندما نستبدل السؤال القديم :
"مَن الذي حسدني ؟" بالسؤال الجريح والمحرر في آن واحد :
أين أخطأتُ ؟ ماذا قصرتُ ؟ كيف أتحسّن ؟
لا تطلب الرقية من شيخ حتى ترقي أولاً نفسك من كسلها ، وعجزها ، وهروبها من المسؤولية. استعن بالله حقًا ، ليس لتحصينك من عيون الآخرين فحسب ، بل لتستعين به على مجاهدة نفسك الأمارة بالسوء ، وعلى إصلاح ما أفسدته يداك ، ابدأ حياتك الجديدة بـ "نظافة" الضمير ، وشجاعة الاعتراف ، وإرادة الفعل .
وتذكر دائماً : أعظم سحر تكسره هو سحر الوهم الذي نسجته حول ذاتك ، وأعظم عين تحصن نفسك منها هي عين الحقيقة التي ترفض أن تراها .
فهل أنت مستعد لخلع رداء الضحية .. وارتداء درع المسؤولية ؟
المصير بين يديك ، لا بين تعويذةٍ أو نظرةٍ .
سنلتقى إن كان فى العمر بقيه